کد مطلب:167904 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:237

رسائل امویة إلی ابن زیاد
فی كیان الحزب الاموی هناك تیّاران مختلفان فی صدد نوع الموقف الذی یجب أن یتّخذه الامویون فی مواجهة الامام الحسین علیه السلام، التیّار الاوّل یتزعّمه معاویة بن أبی سفیان، ویری هذا التیّار أنّ المواجهة العلنیفة مع الامام الحسین علیه السلام لیست فی صالح الحكم الاموی، فلابدّ من تحاشی مثل هذه المواجهة معه علیه السلام، ویری هذا التیّار أنّ المتاركة بین الامام علیه السلام وبین بنی أمیّة هی أفضل ما یوافق مصلحة الحكم الاموی، حتّی یأتی علی الامام علیه السلام ریب المنون فیخلو لبنی أمیّة وجه الساحة السیاسیة بعد موت ابن رسول اللّه (ص)، ویری هذا التیّار أنّه إذا كان لابدّ من مواجهة مع الامام علیه السلام فینبغی أن تكون مواجهة سریّة غیر مكشوفة، یتمّ التخلّص فیها من وجود الامام علیه السلام بنفس الطریقة التی تمّ التخلّص فیها من أخیه الامام الحسن علیه السلام أو بما یماثلها، حتّی لایُستفزَّ الرأی العام فی الامّة بموته علیه السلام ضدّ الحكم الاموی.

ویتبنّی هذا الرأی دهاة الامویین وحلماؤهم وذوو النظر البعید منهم، ومن هؤلاء مثلاً الولید بن عتبة بن أبی سفیان. [1] .

أما التیّار الاخر فیتزعمه یزید بن معاویة، وینضمّ إلیه جمیع قصیرو النظر والتفكیر وأهل الحمق والخرق من بنی أمیّة، أمثال مروان بن الحكم، [2] وعمرو بن سعید الاشدق.


ویری هذا التیّار أنّه لابدّ من المبادرة إلی التخلص من الامام الحسین علیه السلام إذا ما أعلن عن رفضه البیعة وعن قیامه ضد الحكم الاموی، سواء من خلال مواجهة سرّیة أو علنیة!

وكان معاویة یعلم بوجود هذا التیار الاخر داخل الحزب الامویّ، ویعرف أشخاصه، وقد حذّر الامام علیه السلام من بطش هذا التیّار وهدّده به فی رسالته التی بعث بها إلی الامام علیه السلام علی أثر حادثة استیلاء الامام علیه السلام علی حمولة القافلة القادمة إلی معاویة من الیمن، فقد ورد فی هذه الرسالة قوله: (.. ولكنّی قد ظننت یا ابن أخی أنّ فی رأسك نزوة! وبودّی أن یكون ذلك فی زمانی فأعرف لك قدرك! وأتجاوز عن ذلك! ولكنّی واللّه أتخوّف أن تُبتلی بمن لاینظرك فواق ناقة!). [3] .

فلمّا مات معاویة وسیطر التیّار الارعن علی دفّة الحكم الاموی، وبعد أن أصرَّ الامام علیه السلام علی رفض البیعة لیزید، وخرج إلی العراق فعلاً ولم یتمكّن الامویون من خطفه أو اغتیاله فی المدینة أو فی مكّة اضطرب الامویون عامة ودهاتهم خاصة اضطراباً شدیداً خوفاً من نتائج المواجهة العلنیة مع الامام علیه السلام، ومن مصادیق هذا الاضطراب الرسالة التی بعثها الولید بن عتبة بن أبی سفیان إلی عبیداللّه بن زیاد، والتی كان نصّها: (بسم اللّه الرحمن الرحیم. من الولید بن عتبة إلی عبیداللّه بن زیاد: أمّا بعدُ، فإنّ الحسین بن علیّ قد توجّه نحو العراق، وهو ابن فاطمة، وفاطمة ابنة رسول اللّه (ص)، فاحذر یا ابن زیاد أن تبعث إلیه رسولاً فتفتح علی نفسك ما لاتختار من الخاص ‍ والعام. والسلام). [4] .

هذه الرسالة كاشفة تماماً عن طریقة التفكیر التی یتبنّاها التیّار الاوّل داخل


الحزب الاموی (طریقة تفكیر معاویة)، فالولید لایذكّر ابن زیاد بجلالة منزلة الحسین بن فاطمة بنت رسول اللّه (ص) لیخوّفه من عذاب اللّه فی الاخرة، بل یحذّره ویخوّفه من انقلاب الرأی العام والخاص ضدّ الحكم الاموی!! ولاشیء عن عذاب الاخرة!!

وجدیر بالذكر أنّ التیّار الاموی الاخر لایعباء بطریقة تفكیر تیّار معاویة والولید بن عتبة! ولذا ورد فی ذیل خبر هذه الرسالة: (قال: فلم یلتفت عبیداللّه بن زیاد إلی الكتاب). [5] .

وروی ابن عساكر أن مروان كتب إلی عبیداللّه بن زیاد: (أمّا بعدُ: فإنّ الحسین بن علیّ قد توجّه إلیك، وهو الحسین بن فاطمة، وفاطمة بنت رسول اللّه صلّی اللّه علیه وسلّم، وباللّه ما أحدٌ یسلّمه اللّه أحبّ إلینا من الحسین! فإیّاك أن تهیج علی نفسك مالایسدّه شیء، ولاتنساه العامة ولاتدع ذكره، والسلام.). [6] .

وقال الشیخ محمد باقر المحمودی فی حاشیة الصفحة التی فیها هذا الخبر: (وكلّ من ألمَّ بشیء من سیرة مروان یعلم یقیناً أنّ هذا الكلام والكتاب لایلائم نفسیّات مروان ونزعاته وماكان یجیش فی قلبه من بغض أهل البیت، وتمنّیه استئصالهم واجتثاثهم عن وجه الارض، فإن كان لهذا الكتاب أصل وواقعیّة فالمظنون أنّه للولید بن عتبة بن أبی سفیان، كما نقله عنه الخوارزمی فی أوّل الفصل 11 من مقتله: ج 2: ص 221، ونقله أیضاً ابن أعثم الكوفی فی كتاب الفتوح). [7] .


وكذلك روی ابن كثیر فی تأریخه [8] أنّ هذه الرسالة من مروان إلی ابن زیاد، وقال الشیخ المحقّق باقر شریف القرشی معلّقاً علی ذلك: (واشتبه ابن كثیر فزعم أنّ مروان كتب لابن زیاد ینصحه بعدم التعرّض للحسین، ویحذّره من مغبّة الامر، ورسالته التی بعثها إلیه تضارع رسالة الولید السابقة مع بعض الزیادات علیها... إنّ من المقطوع به أنّ هذه الرسالة لیست من مروان فإنّه لم یفكّر بأیّ خیر یعود للامّة، ولم یفعل فی حیاته أیّ مصلحة للمسلمین، یُضاف إلی ذلك مواقفه العدائیة للعترة الطاهرة وبالاخص للامام الحسین، فهو الذی أشار علی حاكم المدینة بقتله، وحینما بلغه مقتل الامام أظهر الفرح والسرور! فكیف یوصی ابن زیاد برعایته والحفاظ علیه!؟). [9] .

نعم، إنّ مروان بن الحكم وهو من أعلام التیّار الاموی الارعن الذین تتلظّی قلوبهم حنقاً علی أهل البیت وبغضاً لهم، لایمكن أن تصدر عنه مثل هذه الرسالة وإن كانت هذه الرسالة لاتفیض إلاّ بالخوف من هیاج الرأی العام ضد الامویین! ذلك لانّ أفراد التیّار الاموی الارعن تشابهت قلوبهم وتماثلت أقلامهم فیما كتبوا به من تهدید لابن زیاد: فی أنّه إنْ لم یقتل الامام علیه السلام یعُدْ إلی أصله الحقیقی عبداً لبنی ثقیف! فهذا عمرو بن سعید بن العاص ‍ الاشدق وهو من طغاة بنی أمیّة الرعناء یكتب الی ابن زیاد بعد خروج الامام الحسین علیه السلام من مكّة قائلاً: (أمّا بعدُ: فقد توجّه إلیك الحسین، وفی مثلها تعتق أو تكون عبداً تسترقّ كما تسترقّ العبید!)، [10] وكأنّه یستلّ ذات المعانی من قلب سیّده یزید بن معاویة الذی كتب إلی ابن زیاد


قائلاً: (قد بلغنی أنّ أهل الكوفة قد كتبوا إلی الحسین فی القدوم علیهم، وأنّه قد خرج من مكّة متوجّهاً نحوهم، وقد بُلی به بلدك من بین البلدان، وأیّأمك من بین الایّام، فإنْ قتلته وإلاّ رجعت إلی نسبك وإلی أبیك عُبید، [11] فاحذر أن یفوتك!). [12] .



[1] راجع: الجزء الاوّل: (الامام الحسين عليه السلام في المدينة المنوّرة): 361-365، عنوان: شخصية الوليد بن عتبة.

[2] في مشورة مروان بن الحكم علي الوليد بن عتبة بحبس الامام عليه السلام وبقتله إن لم يبايع دليل علي انتماء مروان لهذا التيّار، وعلي نوع طريقة تفكير هذا التيّار.

[3] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 18:327.

[4] الفتوح: 5 :121-122.

[5] الفتوح: 5:122.

[6] تاريخ ابن عساكر / ترجمة الامام الحسين عليه السلام / تحقيق المحمودي: 229، حديث رقم 256.

[7] المصدر السابق.

[8] البداية والنهاية: 8:165.

[9] حياة الامام الحسين بن علي 8: 3:58.

[10] تاريخ ابن عساكر / ترجمة الامام الحسين عليه السلام / تحقيق المحمودي: 299 حديث رقم 256.

[11] الجد الحقيقي لعبيد اللّه بن زياد بن عبيد (وعبيد كان غلاماً لثقيف).

[12] تأريخ اليعقوبي: 2:155.